اخبار الجزائر

الميادين

سياسة

قدره أن يكون مقاوماً للاستعمار الفرنسي

قدره أن يكون مقاوماً للاستعمار الفرنسي

klyoum.com

محمد لخضر حمينة: حين تعلّمك السينما كيف تعيش بكرامة

مات في اليوم الذي كُرّم فيه. ما قصة محمد لخضر حمينة، الجزائري والعربي الوحيد الفائز بــ "جائزة السعفة الذهبية" في مهرجان "كان"؟

كرّم "مهرجان كان السينمائي" في 23 أيار/مايو الجاري، المخرج الجزائري، محمد لخضر حمينة (1934 - 2025)، بمناسبة اليوبيل الذهبي لحصوله على "جائزة السعفة الذهبية" عام 1975 عن فيلمه الملحمي "وقائع سنين الجمر".

في اليوم نفسه الذي كُرّم فيه حمينة، غادرنا هذا المخرج لينطفىء عن عمر ناهز 95 عاماً في منزله بالعاصمة الجزائر، بعد أن ترك أثراً خالداً في المشهد السينمائي العالمي، وليظل السينمائي العربي والأفريقي الوحيد الذي يفوز بــ "جائزة السعفة الذهبية" في "كان".

رُشحت أفلام حمينة 4 مرات لنفس الجائزة، كما حصد شريطه "ريح الأوراس" جائزة أحسن فيلم أول في المهرجان نفسه، وتم ترشيح أفلامه لجائزة الأوسكار.

"الفنان المقاوم"، كما يُطلق على حمينة، أخرج 13 فيلماً أنتج منها 6 أفلام وكتب 12 منها وقام بالتمثيل في 3 منها. كما كان مصوراً لثلاثة من أفلامه، ولم يكن تلميذ مدرستي الزراعة والصناعة. إذ كان يعلم أنه سيسافر إلى الأنتيب لدراسة القانون ثم يتغير مجرى حياته بعد سنوات من صناعة الأشرطة السينمائية المهمة في توثيق جماليات الحكي البصري، والتأريخ لحقبة فاصلة في تاريخ الجزائر الحديث. هكذا أصبح حمينة مديراً لديوان الأخبار الجزائرية بعد الاستقلال حتى عام 1974، كما تولّى بعد ذلك إدارة الديوان الوطني للتجارة وصناعة السينما الجزائرية.

"لقد وجد العالم الثالث صانع أفلامه"، هكذا عنونت مجلة "جون أفريك" عام 1984 مقابلتها مع لخضر حمينة الذي قال: "لا أدعي كتابة تاريخ الشعب الجزائري، بل أروي حكاية. كلّ فيلم من أفلامي يروي صفحة من تاريخ المجتمع الجزائري والعربي والعالمي".

رؤية كونية تحمل مرارة الاضطهاد وضرورة التصدي للمستعمر والظلم بجميع أصنافه. كان هذا مبدأ حمينة الأساس والهاجس الذي ظل يرافقه الى آخر أفلامه. لم تكن دراسته للأفلام هي التي صقلت موهبته، لكن المعروف أنه علّم نفسه بنفسه ولم يتهيب الكاميرا أو إعادة ترتيب الحكايات، وما فتئ يبحث عن آفاق للقص البصري في توليفات جديدة تتعامل مع الجزائر في الماضي وفي الحاضر، مدافعاً في هذه الأثناء عن المرأة وضرورة اعتماد العقل والواقعية حفاظاً على الهوية الجزائرية وضرورة التصدي للتطرف الذي أنهك البلاد في ما يعرف بــ "العشرية السوداء".

قدره أن يكون مقاوماً للاستعمار الفرنسي

اختطف الجيش الفرنسي وعذّب وقتل والد لخضر حمينة، الفلاح الذي كان يعيش في مسيلة شمال شرق الجزائر. كانت الظروف القاسية تحت نير المستبد قادحاً لتبلور وعي نضالي لدى المخرج الذي ظل وفياً لثورة التحرير الجزائرية، والتي انضم إلى صفوفها شاباً، ثم هارباً من التجنيد الذي فرضته سلطات الانتداب الفرنسية ليلتحق بــ "جبهة التحرير الوطني"، وبقي في تونس مع الحكومة الجزائرية المؤقتة.

وتدرب حمينة في قناة أخبار تونسية وصوّر أيضاً أفلامه القصيرة الأولى لتتوالى بعد ذلك انجازاته السينمائية التي جمعت بين الأعمال الوثائقية والروائية التي كتب أغلب سيناريوهاتها ومثّل في بعضها.

والملاحظ أن الحكومة الجزائرية المؤقتة قامت حينها بإنشاء لجنة سينمائية تابعة لها مكّونة من مجموعة من الفنيين السينمائيين، أرسلوا إلى معاهد سينمائية بالبلدان الاشتراكية مثل لخضرحمينة الذي تلقى تكويناً سريعاً في تشيكوسلوفاكيا، وعلي يحيى في برلين الشرقية، وغيرهم. وكان ضمن أعضاء مدرسة سينما الأحراش التي كانت نتيجة تنسيق بين القائد عبان رمضان أحد مهندسي توحيد صفوف جبهة التحرير و رونيه فوتييه المخرج السينمائي المناهض للاستعمار الفرنسي بالجزائر .

السينما وسيلة دعاية

في كتابه "السينما وحرب التحرير في الجزائر - معارك الصور"، يتحدث أحمد بجاوي، أنه عندما اشتد الصراع أثناء الثورة الجزائرية كان الاهتمام الأول الاستراتيجي للكفاح الثوري، هو البحث عن السلاح.

وعندما أدرك قادة و"جبهة التحرير الوطني" أنّ المقاومة المسلّحة غير كافية لوحدها، شرعوا في إعادة النظر في أدوات الكفاح من أجل تكيّفها مع احتياجات منتصف ذلك القرن، وكان من أهمها تدويل قضية الجزائر. ومن خلال هذا الحديث يمكن فهم قوة البروباغندا في دعم هذه القضية بالصوت والصورة والتسجيلات الموثقة.

كان لخضر حمينة من المدركين بعمق أنّ الكاميرا يجب أن تنقل الواقع بشقيه القاسي، والمنفتح نحو الأمل بالحرية وضرورة تحقق الاستقلال، خاصة وأن السلطات الاستعمارية عملت على إرساء نظرتها الأحادية المثقلة بإيديولوجيا العنصرية والاستبداد.

وقد ذهب الباحث، عيسى شرايطية، في عمله "الريف الجزائري في السينما الاستعمارية" إلى أنّ السلطات الفرنسية قامت بإنتاج أنواع عدة من الأفلام الدعائية التي تحمل مشروعها وفكرها الاستعماري، وتزايد عدد الأفلام المنتجة في الجزائر بين 1911 و 1954.

خدمة الحقيقة التاريخية

أخرج لخضر حمينة جملة من الأفلام الوثائقية منها "الحرب في الأكواخ" و"حافظ" و"مرة أخرى" و"النور للجميع" و"البحث عن الحلم" و"القدس"، وكان ذلك عام 1965، ليتحول بعد ذلك إلى الأفلام الروائية.

بعد "ريح الأوراس" أنجز المخرج الراحل فيلم "حسان تيرو أو الارهابي"، وفي فيلم "ديسمبر" استعان حمينة بالفرنسي جورج أرنو لكتابة السيناريو، وهو مختلف بصفة جذرية عن أعماله الأخرى. إذ يعكس وجهة نظر مزدوجة. إذ كيف يمكن لضابط في الجيش الفرنسي أن يقتلع اعترافات أحد السجناء المقاومين من دون أن يخضعه لأساليب التعذيب؟ هكذا يفتح الفيلم نافذة على إمكانية وجود طرق أخرى من دون اللجوء إلى الأساليب القمعية التي لا تؤمن بالكرامة الجسدية والنفسية لهؤلاء المدافعين عن بلدهم.

مع الوقت وصل حمينة إلى عمله الملحمي "وقائع سنين الجمر"، حيث قام بكتابة السيناريو الممتد من أربعينيات القرن العشرين إلى اندلاع ثورة التحرير، مقسّماً الفيلم إلى 5 مراحل هي: سنوات الرماد، وسنوات الجمر، وسنوات النار، وسنة العربة، وسنة الهجمة.

ويتلخص الفيلم في ما قالته إحدى الشخصيات: "الاستعمار دخل بالسلاح وسيخرج بالسلاح". تذكير بالتدمير الممنهج للأرض ولمكتسبات البشر القليلة، يقابلها إصرار الجزائريين على إعادة البناء والتطهر والانتاج بالوسائل البسيطة، في مشاهد تفضح شظف العيش وتغلغل الفكر الخرافي من ناحية أخرى، وانسداد الأفق في مدينة يلتهمها الطاعون. كان الحل أن يوجد الماء لتتوحد المواقف ويزول سوء الفهم لمواجهة عدو خارجي في مشاهد ملحمية في واقعيتها المفرطة.

وذكر المخرج السينمائي فريد بوغدير في مقاله "الأخضر حمينة/سعفة ذهبية في كان"، أنّ فيلم "سنين الجمر" ليس فيلماً سياسياً بحتاً، أي فيلماً ظرفياً، لأن لديه طموح آخر وقد سماه طموحاً ثقافياً وهو ردّ الجميل للشعب الجزائري، أي إعادة الصور التي طمست الماضي والتي وقع انكارها للشعب ليعيد الاتصال باستمراريته التاريخية.

*المصدر: الميادين | almayadeen.tv
اخبار الجزائر على مدار الساعة