اخبار الجزائر

اندبندنت عربية

سياسة

أسماء "غير أصيلة" لمواليد في الجزائر تفجر سؤال الهوية

أسماء "غير أصيلة" لمواليد في الجزائر تفجر سؤال الهوية

klyoum.com

عائلات تعزف عن اختيار "محمد" وتستبدل به "إسلام" وقائمة بـ300 اسم مرفوض لدى السلطات

تشهد الجزائر ظاهرة فريدة مع اختفاء أسماء "أصيلة" وظهور أخرى "دخيلة"، فيما تقاوم بعضها رياح "التغيير"، وعلى رغم اختلاف الآراء في شأنها فإنها أجمعت على الخطر الذي قد يهدد هوية المجتمع، وفي حين يرجع المعنيون الحالة إلى الغزو الثقافي يتهم آخرون الأسرة بالتراخي والمنظومة التربوية والدينية والثقافية بالضعف.

ولم يعد خافياً لدى مختلف الأسر في الجزائر التغيير الذي طرأ على تسميات الأبناء خلال الأعوام الأخيرة، إذ لم يعد اهتمام الجيل الحالي من الأولياء بتسميات الستينيات والسبعينيات إلى الثمانينيات التي اشتهر واعتز وتمسك المجتمع الجزائري بها، بل بات الأزواج يسخرون من بعض الأسماء وينسبونها إلى "العهد القديم"، زمن الأبيض والأسود، ولا تتماشى مع العولمة والرقمنة والتطور التكنولوجي الحاصل على المستويات جميعها.

ظاهرة الأسماء الدخيلة أو الغريبة (غير الأصيلة) وجدت مساحة للنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي وكذا فضاءات النقاش، حول تأثيراتها في الهوية الثقافية والاجتماعية، فاختلفت الآراء والتحاليل حول الظاهرة بصورة تعكس صراعاً بين الأجيال حول الحفاظ على الهوية الوطنية الأصيلة ومواكبة موجات الحداثة، بين من يتخوف من انعكاسات هذه الأسماء على الطفل مستقبلاً، من حيث التنمر أو صعوبة الاندماج الاجتماعي، ومن يرى أنها تندرج في سياق مواكبة تطور المجتمعات التي تعيش الهوس نفسه، لا سيما في أوروبا التي تشهد بعض الأسماء العربية انتشاراً لافتاً.

"هوارية"، "حدة"، "مسعودة"، "زوليخة"، "دلولة"، "خيرة"، "حجيلة"، "زهوانية"، "فطوم"، "ذهبية"، "فاطنة"، بالنسبة إلى المرأة، و"بغداد"، "مقران"، "بلقاسم"، "دحمان"، الجيلالي"، الدراجي"، والقائمة طويلة للرجال، هي أسماء سقطت من سجل العائلات الجزائرية ولم تعد متداولة كما كانت عليه الحال سابقاً، وهي الأسماء التي كانت تمثل الجزائر إلى حد بعيد وتعكس التراث الشعبي لكل منطقة، على اعتبار أن كل جهة اشتهرت بأسماء محددة مثل "الهواري" و"دقة" و"الجيلالي" في الغرب، بينما يشتهر الشرق بـ"الدراجي" و"سطّارة" و"السبتي"، وفي منطقة القبائل "مقران" و"مسينيسا" و"أكلي"، وفي الجنوب "مبروك" و"أغ" و"غومة".

ويحاول الأولياء الجدد مواكبة ما يوصف بـ"الحداثة" في تسمية المواليد، ويدخلون في رحلة البحث منذ الساعات الأولى من الكشف عن الحمل، بعيداً من الشخصيات "القديمة" ممثلة في الجد والجدة وكبار السن من العائلة، في محاولة لتجنب الضغط الذي قد يؤدي إلى فرض اسم من "الماضي" وهو الموقف الذي يفر منه الأزواج الجدد، ليتم الاتفاق في الخفاء حول "كاميليا"، و"سوزان"، و"كارلا" و"يانيس" وأمجد" و"كاميل" وغيرها من الأسماء.

في السياق، يرى المؤلف والمدوّن عماد الدين زناف، أن "الهوية موضوعة مركبة تصنعها كثير من التفاصيل، لا تضيع بضياع واحدة فيها إنما تصبح عرجاء، فلا هي تستثمر ماضيها ولا هي تمشي قدماً، لذا فإن فقدان الأسماء الأصيلة هو نتاج الثقافة الدخيلة، لكن هذه الثقافة لو لم تجد فراغاً ثقافياً، لما أخذت مكان الثقافة الأصيلة".

يضيف زناف لـ"اندبندنت عربية"، أن "فقدان الثقافة الأصيلة، من بينها الأسماء، له أسباب عدة، أبرزها التخاذل في معرفة التاريخ الذي يؤدي إلى الجهل بالشخصيات التاريخية، والابتعاد عن التاريخ يعني ابتعاداً عن الفن الأصيل، وإذا ابتعد الفن عن تاريخ وطنه، فلن يسوّق للأسماء الجزائرية، وإنما للأسماء التي تفوقت في الدعاية لثقافتها من بلدان أخرى، لذا تتضرر الهوية بصورة كبيرة جداً، خصوصاً أن التاريخ والثقافة يبدأان بضبط الأسماء والمصطلحات"، وتابع "نعيش زوال الأسماء الجزائرية منذ فترة ليست بالقصيرة، أي إننا في قلب العاصفة التي تتطاير منها أسماء الجزائريين الأصيلة".

 

ويرجع زناف، الظاهرة إلى الكسل الثقافي العام في المجتمع الذي يعود إلى النقص الفادح في الطرق المثالية لحبيب مادة التاريخ بصورة عامة منذ النشأة، مبرزاً أن طريقة عرض التاريخ وتدريسه تحدث نفوراً لدى الشباب، فيصبح الحديث عنه متلازماً مع تلك الطرق القديمة المملة، وهو ما يصنع حاجزاً بين الإنسان الجزائري وتاريخه، لذا يبقى بعيداً من معرفة أسماء أجداده وجداته، وحتى إذا توفرت الإرادة لدى البعض، فإن المادة التاريخية لا تزال غير سهلة البلوغ.

وشدد على أنه لا يمكن إلقاء اللوم على الآخر الذي توفرت لديه الإرادة والقوة والوسع وتصدير ثقافته في كل مكان، فهذه هي لغة التواصل غير المباشرة والقوة الناعمة منذ فجر التاريخ، وعليه "ليس علينا لوم القوي على قوته، والغازي على غزوته، بل نلوم دفاعاتنا وضعفنا وتخلينا عن تلك الإرادة الإنسانية في التفوق، فهي تكمن فينا كما تكمن في الآخر، غير أن خاصتنا نائمة نوماً عميقاً، لذا تجد ثقافة الآخر أرضاً خصبة لتعمّر فيها، بينما يغط أهلها في سباتهم، يحصدون ما يزرعه الآخر".

حذر المؤلف زناف، من أن "هناك تأثيراً مباشراً وآنياً للظاهرة، وهو الشعور بالتيه التاريخي بين الثقافات، "فيتكرر في أذهاننا سؤال من نحن وسط هؤلاء؟، فتضعف الثقة بالنفس، ويتصاعد الاستياء وتصبح لدينا قابلية لجلد الذات"، موضحاً أن" هناك التأثير بعيد المدى، الذي يعمل بخطر كبير على اقتلاع الأجيال القادمة من جذورها، فيصبح الشاب في المستقبل لا يرى بينها وبين أجداده أي روابط ثقافية، وهذه الثغرة تولد ثغرات تضرب الأمن الثقافي القومي، لذلك علينا وبجد إعادة إحياء التاريخ بشتى الطرق لتدارك هذه المطبات".

وأضاف أن "حل المشكلة يتمثل في الدمج الذكي بين ثوابت الأمة الأساسية وطرحها بصورة منصهرة مع متطلبات ومعطيات العصر، أي جعل مادة التاريخ مادة مرحة، مرئية وحية وديناميكية، وهذا بدعم المحتوى التاريخي والثقافي بكثافة، مع تسهيل عمل صناع المحتوى من طريق توفير الأرشيف لهم، وكذا مطالبة الناس الواعية بهذه العملية بالتفاعل الدائم مع أصحابها، لكي تصل الرسالة إلى الشباب بأن قوتهم تكمن في بقائهم على هويتهم، أينما حلوا وارتحلوا، ومهما بلغت ثقافتهم ومهما بعدت أقطارهم".

وكشفت دراسة قامت بها الباحثة في علم الاجتماع، هدى جباس، أن مصالح الحالة المدنية في الجزائر أصبحت منذ 2001، ترفض نحو 300 اسم تقترحه عائلات المواليد الجدد، وأكثر هذه الأسماء خاصة بالبنات وهي منتقاة من المسلسلات التركية والسورية، موضحة أن العائلات الجزائرية تتهافت على أسماء تراها موضة دون أن تعرف معناها، وقالت إن دراستها كشفت لها عن أسماء غريبة اختارتها بعض الأسر في بعض المناطق لتسمية أولادها ورفضت من طرف البلدية، وقدمت قائمة من أسماء أتراك ومشارقة مسيحيين وأبطال أفلام غربية تم اختيارها للمواليد لكن لم تسجل في الحالة المدنية، منها "إليسا"، "سوزان"، "إنجي"، "رشال"، "روهان" وغيرها.

وتابعت جباس، أن عائلات جزائرية تظلم المرأة من خلال إطلاق بعض الأسماء عليها كدلالة لرفض العنصر الأنثوي، مثل "بركاهم"، ويعني "كفى من البنات"، موضحة أن الكثير من العائلات الجزائرية بدأت تعزف عن اختيار "محمد" كاسم للمواليد الجدد، حيث استبدلت به "إسلام" منذ عام 2000، وهذا الأخير محل جدل ديني، حيث يرفض البعض إطلاقه على أبنائهم لأنه رمز للدين الإسلامي الذي هو أرفع من أن يحمله شخص.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار الجزائر على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com