"حمايتي" منصة آمنة وسرية تستقبل شكاوى نساء الجزائر المعنفات
klyoum.com
أخر اخبار الجزائر:
الجناح الجزائري يسجل إقبالا لافتا في المعرض الدولي للصناعات الغذائية بموسكوتتيح للنساء التبليغ وطلب الاستشارة أو الدعم والتواصل مع المصالح المتخصصة وتضمن تغطية أوسع للجميع
تسارع الجزائر الزمن من أجل حماية المرأة من كل صور العنف، على رغم أن ترسانة القوانين والتشريعات الحالية تحظى باهتمام الحقوقيين في الداخل والخارج. وبغية مواجهة التهديدات التي تستهدف النساء، أطلقت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، المنصة الوطنية الأولى "حمايتي" المتخصصة في التكفل بالمرأة ضحية العنف.
أوضحت الوزارة أن إطلاق "حمايتي" يندرج ضمن استكمال برامج العناية الأسرية التي وضعتها الدولة لتعزيز حماية المرأة وترقية حقوقها، مؤكدة أنها تتيح للمرأة التبليغ وطلب الاستشارة أو الدعم، فضلاً عن التواصل الآمن مع المصالح المتخصصة بحمايتها. وأبرزت أن الفضاء الرقمي للمنصة يضمن تغطية أوسع لجميع النساء عبر الربط بين المصالح الأمنية والعدالة والصحة، لتأمين استجابة شاملة ومتكاملة.
وأشارت الحكومة إلى أن المنصة تسعى لتعزيز الجهود المبذولة في مجال حماية ومرافقة النساء، من خلال خدمات متنوعة تقدمها مؤسسات القطاع ومختلف الهيئات المعنية، مشددة أن "حمايتي" تمثل فضاء للتوعية قصد ترسيخ التضامن وتمكين المرأة من ممارسة أدوارها الاجتماعية بأمان، في سبيل أسرة مستقرة ومجتمع آمن.
ولا يشمل العنف "المقصود" في منصة "حمايتي" ما يتعلق بالجسد فحسب، بل أبعد من ذلك إلى العنف النفسي والجنسي والاقتصادي والرقمي، وهي الصور التي حددها قانون العقوبات المعدل والمتمم، سواء ارتكب داخل الأسرة أو في مكان عام، أو داخل مكان العمل أو في الفضاء السيبراني.
وبغرض تسهيل تواصل المرأة المعنفة مع الجهات المعنية من أجل التدخل السريع ومنع تطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، قدمت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة توضيحات حول الوضعيات التي تستدعي وتشجع على التبليغ، وأشارت إلى الأسئلة التي يمكن للمرأة ضحية العنف طرحها على شاكلة أنا أشعر بالخوف، أتعرض لعنف جسدي ونفسي، كيف يمكنني أن أبلغ؟ وهل يمكنني تقديم شكوى من دون أن يعلم المعتدي؟ وهل توجد مراكز استقبال وحماية المرأة وكيف يمكن التواصل معهم؟ وكيف يمكنني أن أثبت العنف الذي مورس عليَّ؟ وهل هناك اختصاصيات في المجال النفسي يمكنني التحدث معهن؟ وهل هناك حماية قانونية للمرأة المعنفة؟ أنا مطلقة وليس لدي دخل كيف يمكنني أن أستفيد من إعانة مالية لإعالة أطفالي؟ لدي مشكلات عائلية ولا أعرف كيف أتواصل مع أفراد عائلتي كيف أتعامل مع الوضع؟
ولا يقتصر الاهتمام بالمرأة على حمايتها من مظاهر عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي وتجريم مختلف صور العنف التي تعترضها، إنما يتطلب الأمر استفادة الضحية من خدمات هياكل الاستقبال وأنظمة التكفل، لمرافقتها ومساعدتها على تجاوز آثار العنف، لذلك استحدث المشرع الجزائري بنية مؤسساتية قصد التكفل النفسي والطبي والاجتماعي بضحايا العنف، وضعت تحت وصاية وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، تسمى المراكز الوطنية لاستقبال النساء ضحايا العنف ومن هن في وضع صعب.
ويتطلب التكفل الأمثل بهذه الفئة ضرورة ضمان إعادة إدماجهن الاجتماعي والمهني في المجتمع، الذي لا يترجم فعلياً إلا من طريق تكاتف جهود مختلف المؤسسات الرسمية منها وغير الرسمية، لتحقيق متطلبات الحماية الفعلية.
وفي السياق، ترى الحقوقية لطيفة ديب أن إطلاق منصة "حمايتي" يمثل خطوة جريئة ومطلوبة في إطار بناء منظومة حماية متكاملة، على اعتبار أن المرأة التي تتعرض للعنف تحتاج قبل كل شيء إلى وسيلة آمنة وسرية تمكنها من طلب المساعدة من دون خوف أو تردد. لكن "المنصة وحدها لا تكفي لإعادة الاحترام للمرأة"، وقالت إن الاحترام الحقيقي يتحقق حين تتغير الذهنيات وتترسخ في المجتمع ثقافة قائمة على المساواة والكرامة والعدالة، مشيرة إلى أن نجاح "حمايتي" مشروط بأن ترافقها خطوات عدة مثل برامج توعية شاملة تعيد صياغة النظرة إلى المرأة باعتبارها شريكة لا تابعة، إضافة إلى إقامة إصلاحات تعليمية ترسخ قيم الاحترام المتبادل منذ الطفولة، وكذا وضع سياسات تمكين اقتصادي واجتماعي تضمن استقلالية المرأة وقدرتها على مواجهة الضغوط. وأبرزت أن المبادرة حجر الأساس، لكن البناء الكامل يتطلب جهوداً مشتركة من الدولة والمجتمع المدني والأسرة معاً، لأن الاحترام لا يستعاد بالشعارات، بل بالالتزام اليومي بقيم العدالة وبخلق بيئة آمنة تجعل كل أنثى تشعر بأنها عنصر فاعل ومُصان.
وتواصل ديب أن ضعف الوازع الديني في ردع العنف ضد المرأة لا يعود إلى النص القرآني، وإنما إلى التفسيرات القديمة التي قرأت بعض الآيات بعيون ثقافة ذكورية، فبررت الضرب والإيذاء بدلاً من أن تترجم مقاصد العدل والرحمة، على اعتبار أن النص محفوظ بالحق، لكن الفهم البشري هو الذي قصر وشوه. وشددت على أن منصة "حمايتي" لن يكون لها معنى إن ظلت حبيسة الاستهلاك الإعلامي والدولي فحسب، وقيمتها الحقيقية تقاس بقدرتها على حماية النساء في الميدان وكسب ثقتهن، مضيفة أنها في حاجة إلى دعم كمي ونوعي، قانوني وصحي وقضائي وأمني، لا سيما السرعة في الاستجابة ورد الفعل عند النداء.
وليست المرة الأولى التي تُقر خطوات ومبادرات من أجل الحد من العنف ضد المرأة وترقية حقوقها، بل سبقتها إجراءات عدة وآخرها إعلان وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، عن دليل التكفل بالنساء والفتيات ضحايا العنف الذي يتضمن عدداً من المحاور الأساس لتحقيق الحماية والتكفل على غرار التبليغ عن حالات التعرض للعنف، وحماية المرأة ضحية العنف والتكفل النفسي بها، وكذا الخدمات الاجتماعية للنساء ضحايا العنف كصندوق النفقة وصندوق تعويض ضحايا الاتجار بالبشر ونظام الإحالة، إلى جانب آليات الاستفادة من أجهزة التكوين والتعليم المهنيين، ومن الخدمات الصحية في مؤسسات وهياكل الصحة العمومية، مع الرعاية النفسية للنساء ضحايا العنف.
ووضعت الوزارة الرقم الأخضر في خدمة كل امرأة جزائرية كآلية للتبليغ عن حالات العنف، أو للاستفادة من الدعم النفسي والتوجيه الاجتماعي والخدمات الضرورية، إلى جانب توفير استجابة سريعة وفعالة للتخفيف من الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية التي قد تتعرض لها المرأة جراء العنف، عبر قناة اتصال مجانية وآمنة تعمل على مدار الساعة وتوفر الدعم اللازم والتوجيه نحو الجهات المتخصصة، وهي الخطوة التي أكدت الوزارة أنها سرية ومجانية ومفتوحة على مدار 24 ساعة وطوال أيام الأسبوع، وتستهدف كسر حاجز الصمت الذي يحيط بالعنف ضد المرأة.
إلى ذلك، يعد الناشط السياسي حليم بن بعيبش أن منصة "حمايتي" طريقة تبليغ رقمية حديثة بعيدة من الخطوات التقليدية، وهو ما يجعل أثرها كبيراً في كشف الاعتداءات والعنف الذي تتعرض له المرأة، إذ من المتوقع أن يرتفع عدد شكاوى النساء، موضحاً أن هذا الإجراء لا يعيد الاحترام إلى المرأة لكن يساعد في حمايتها، وشدد أن احترام المرأة يحقق من طريق التوعية والتربية والثقافة المجتمعية.
ويتابع بن بعيبش أن العنف في المجتمع الجزائري أصبح ظاهرة منتشرة بصورة لافتة، وبات معضلة اجتماعية وأخلاقية وسياسية واقتصادية، مشيراً إلى أن العنف أصبح في الجزائر طريقة للتعبير مما أفرز مجتمعاً عنيفاً جداً. وختم بأن محاربة الظاهرة تستدعي تشديد العقوبات وإعادة النظر في المنظومة التربوية من أجل تكوين جيل جديد يحترم الآخر، وأخيراً التوعية.
وأمام غياب إحصاءات دقيقة وشاملة، فإن مجموعة من التقارير تشير إلى ارتفاع ملحوظ في حالات العنف ضد المرأة خلال الأعوام الأخيرة بصورة تثير الفزع، وتتحدث الدراسات عن تسجيل مقتل امرأة كل أسبوع منذ عام 2019، لأسباب تتصل بتقاليد وأعراف اجتماعية كالشرف والعفة. وأشار تقرير لمجموعة "فيمينيسيد الجزائر" إلى إحصاء 315 جريمة قتل للنساء داخل البلاد خلال الفترة الممتدة بين عامي 2019 و2024.