الجزائر تمنع مسيرات داعمة لغزة... مم تتخوف؟
klyoum.com
أخر اخبار الجزائر:
الجزائر.. بسبب فيديو إباحي.. الأمن يوقف رجلا وامرأةتساؤلات متجددة حول مدى انسجام الممارسة الإدارية مع الدستور الجديد للبلاد الذي كرس صراحة حق التظاهر السلمي بمجرد التصريح
عاد الحديث مجدداً عن حرية التعبير في الجزائر على خلفية المسيرة التي دعت إليها أحزاب سياسية في سياق التضامن مع قطاع غزة والشعب الفلسطيني، حين منعت السلطات الخروج إلى الشارع وسمحت فقط بتنظيم وقفات تضامنية داخل القاعات والفضاءات المغلقة، مما فتح نقاشات حول الحريات المضمونة دستورياً والتضييق المرتبط بمخاوف أمنية.
وأمام استمرار التصعيد غير المسبوق والجرائم المتواصلة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وبصورة خاصة ضد سكان قطاع غزة، وفي سياق التضامن الشعبي والرسمي في الجزائر مع القضية، تحركت الطبقة السياسية وعقد 14 حزباً اجتماعاً لتنظيم مسيرة تضامنية، فدعت في بيان مشترك وزارة الداخلية إلى فتح الفضاءات العمومية في مختلف مناطق البلاد، بهدف تمكين المواطنين من التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ورفضهم سياسات التجويع والتهجير والاحتلال.
وعلى رغم أن الخطوة اكتست أهمية، ولا سيما بانضمام حزب "جبهة التحرير الوطني"، أكبر أحزاب الموالاة في البلاد، إلى قائمة الموقعين، فإن السلطات ممثلة بوزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، رفضت الطلب وأوضحت ضمن مراسلة رسمية وجهتها إلى رؤساء والأمناء العامين للأحزاب المعنية، أن الوقفات التضامنية حصرت داخل القاعات العمومية والفضاءات المخصصة للاجتماعات، استناداً إلى أحكام القانون. وأضافت أن تنظيم أي نشاط تضامني يجب أن يكون ضمن الأطر القانونية المنظمة للتجمعات العامة، عبر الفضاءات المغلقة المرخص لها، مثل القاعات العمومية، بما يضمن الحفاظ على النظام العام وتطبيق القانون.
ولم تصدر السلطات أي تعليق علني حول أسباب الرفض، باستثناء الإشارة إلى التزام القانون المنظم للتظاهرات العمومية، كما لم تتمكن "اندبندنت عربية" من الحصول على تصريحات من جهات حكومية حول الموضوع، غير أن المسؤول السابق في إحدى الوزارات والنائب البرلماني السابق عدة فلاحي يرى أن السلطة لها تقديراتها الأمنية، والفترة الحساسة تتطلب اليقظة الاستباقية، بالتالي من حقها ضبط حركة الشارع.
ويتابع فلاحي أن مواقف الجزائر في مواجهة الحرب الإسرائيلية على غزة واضحة وآخرها موقف مندوبها لدى الأمم المتحدة، مبرزاً أن المنع ليس سياسياً كما يروج له بعضهم، و"إلا كيف نفسر الموقف السياسي للجزائر من القضية الفلسطينية عموماً ومجزرة غزة خصوصاً؟". واعتبر أن دعوات الخروج إلى الشارع قد تأخذ طابعاً أو توجهات مختلفة، من بينها "التحالف الإسلامي" المتطرف مع حركة "ماك" الانفصالية المصنفة في قائمة الإرهاب، فضلاً عمن فقدوا مصالحهم في مؤسسات وأجهزة الدولة الذين يسعون إلى تغيير قواعد اللعبة.
لكن البرلماني عبدالوهاب يعقوبي كان له رأي منتقد لقرار المنع، وقال في منشور على صفحته على "فيسبوك"، إنه "على رغم أن دستور 2020 نص صراحة في مادته 52 على أن حرية التظاهر السلمي مضمونة وتمارس بناء على تصريح بسيط، لا تزال بعض الإدارات العمومية تتعامل مع هذا الحق من منطلق الإذن المسبق، كما لو أن شيئاً لم يتغير منذ ما قبل التعديل الدستوري". وتساءل "هل نعيش فعلياً وفق دستور 2020، أم أن نصوصه تستدعى فقط في الخطب الرسمية من دون تطبيق فعلي على الأرض؟".
وأبرز يعقوبي النائب عن حركة "مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي في البلاد والذي احتضن اجتماع الأحزاب بمقره، والموقع على طلب الترخيص للمسيرة، أن استمرار الإدارة في اشتراط الترخيص المسبق كما كان معمولاً به قبل التعديل الدستوري، يشكل انحرافاً عن روحية الدستور ويضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات، داعياً إلى مراجعة القانون المتعلق بالاجتماعات باعتباره أصبح متقادماً وغير متلائم مع الدستور الجديد. وشدد على أن الإدارة مطالبة بالاكتفاء بتلقي التصريحات من دون فرض قيود أو توجيهات تحصر الفعاليات في أماكن مغلقة.
ومنذ بدء الحرب على غزة، رخصت السلطات مرة واحدة تنظيم مسيرة في الجزائر العاصمة، على رغم المطالبات الملحة للأحزاب بالسماح بفتح الفضاء في الشارع للتعبير، غير أن بعض محاولات الخروج قوبلت بالمنع من قبل الشرطة التي كانت تعتقل النشطاء ثم تفرج عنهم في غضون ساعات، مما بات يثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية والشعبية، مع تساؤلات متجددة حول مدى انسجام الممارسة الإدارية مع الدستور الجديد للبلاد الذي كرّس صراحة حق التظاهر السلمي بمجرد التصريح، وبين من يستنكر المنع باعتباره مساساً بالحريات الأساسية، وجهات تعتبره قراراً متفهماً في ظل ما يصفونها بـ"الظروف السياسية والإقليمية الدقيقة"، وطرف ثالث يرى أن لا جدوى من التظاهر ما دام موقف الحكومة الجزائرية متقدماً في إدانة الحرب الإسرائيلية ورافضاً بصورة قاطعة لكل أنواع السلام.
في المقابل، لم تتعرض المسيرات المنظمة في بعض مناطق البلاد للمنع، بحيث شهدت مدينة جيجل شرق الجزائر وقفة تضامنية مع قطاع غزة، رفعت خلالها الأعلام والرايات الفلسطينية ولافتات كتبت عليها شعارات منددة بالتجويع الذي يتعرض له الفلسطينيون في القطاع، كما تجمع ناشطون وسط مدينة المسيلة وسط البلاد للتنديد بحرب الإبادة والتجويع التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. الأمر نفسه عرفته مدينة البليدة التي تقع على بعد 50 كيلومتراً من العاصمة، حيث نظم متضامنون سلسلة بشرية رافعين صوراً للأطفال الفلسطينيين وشعارات تعبر عن الغضب من موقف الأنظمة العربية "المتخاذلة إزاء المأساة الإنسانية في القطاع".
وفي ظل ما يدور، يتبادر إلى أذهان المتابعين، ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي السؤال التالي، هل المشكلة داخلية أم في الأحزاب؟ ليردّ بعضهم أن قرار السلطة منع مسيرة لمصلحةة القضية الفلسطينية لا يؤثر أبداً في صورة الجزائر في الخارج، بل على العكس يؤكد القلق الداخلي الذي تغذيه مواقف سياسية منتقدة لأداء الحكومة، وكذا محاولات بعض "معارضي" الخارج إشعال الشارع، ولا سيما أمام الأوضاع الدولية والإقليمية التي تحيط بالبلاد.
أما الطرف المقابل، فيرى أن الأحزاب خسرت ثقلها ووزنها، بعدما طلّق الشارع الممارسة السياسية وفقد ثقته بها، ولا سيما أنها تتغاضى عن "النشاط النضالي" وباتت "أحزاب المكاتب والمناسبات"، ولعل إقدامها على طلب الترخيص لمسيرة تضامنية مع فلسطين التي تعتبرها الجزائر قضيتها الأولى، يكشف عن غياب التقدير السياسي وعدم قدرتها على طمأنة السلطة.