كن مستعداً

'أداء القسم وحمل الشارة المقدسية، شرف لا يناله إلا الكشافة المتميزون'، هكذا تٌبنى عقيدة الكشافة الإسلامية الجزائرية، التي تركز على الانتماء الوطني والتعرف إلى قضية فلسطين كجوهر لفكرها.

'أطفال اليوم هم قادة الغد'، مبدأ وُلد مع الكشافة الإسلامية الجزائرية، عند تأسيسها العام 1936.

ولا تزال هذه المنظمة الإنسانية التربوية والترفيهية محافظة على دورها في طليعة الهيئات الرسمية، التي تربّي النشء وتنمي وعيه، وروحه الوطنية، وارتباطه القومي بقضايا محيطه وأمته.

وهذا من خلال برنامج تربوي خاص، يقوم على العمل الميداني من حملات تحسيسية وتطوعية، وعلى النشاطات الترفيهية من أناشيد وأعمال فنية، يشارك فيها الأطفال في احتفالات الأعياد الوطنية والدينية.

'كن مستعداً'.. هكذا تخاطب الكشافة الإسلامية الجزائرية منتسبيها، بشعار يحثّ الطفل ليكون دائم الاستعداد متأهباً للدفاع عن وطنه ودينه وقوميته، ثلاثة مبادئ أساسية، يتعلمها صغار الكشّافة فور انضمامهم، ويحملونها على شاراتهم بقية مشوارهم.

وترافق هذا الشعار زهرة ياسمين بيضاء ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة، يحملها هلال أخضر يمثل العالمين العربي والإسلامي، وبهما تحيط دائرة حمراء تعني دماء الشهداء.

'الشارة المقدسية' مبادرة جديدة هي الأولى من نوعها عربياً، أطلقتها القيادة العامة للكشافة الجزائرية، والهدف توثيق ذلك الارتباط الروحي بين الطفل والقضية الفلسطينية.

قبل حمل الشارة، يؤدي الكشافة 'العهد المقدسي'، ونصّه: 'أعد بأن أبذل جهدي لتكون قضية فلسطين حاضرة في وجداني وسلوكي، وأن أعمل لنصرتها بكلّ الوسائل والنشاطات الكشفية، وأن تكون قضية القدس وصيّتي لمن بعدي'.

ورقة زيتون وعين هو تصميم الشارة الرئيسية، التي تعني أرض فلسطين وضمير الأمة، الذي يجب ألا ينام عن قضيته المركزية.

وعن الشارة الرئيسية تتفرع ثلاث شارات تختصّ كلّ واحدة بفئة، وهي:

- الحرم المقدسي مطبوع على شارة الزّهرات (الفتيات) والأشبال - من عمر 6 إلى 10 سنوات.

- المفاتيح المهاجرة في حقائب النكبة تحملها شارة المرشدات والمرشدين - من 11 إلى 17 عاماً.

- خريطة فلسطين تميّز شارة الجوّالة (من 17 عاماً وفوق).

وذلك دلالة على حق العودة وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

'أداء القسم وحمل الشارة المقدسية، شرف لا يناله إلا الكشافة المتميزون، الذين نالت بحوثهم أعلى تنقيط من لجنة التحكيم. والغاية من هذه المبادرة هي ترسيخ القضية الفلسطينية في وجدان الطفل ووعيه الباطني، لتحصينه مستقبلاً ضد الأفكار التطبيعية، وضدّ المواقف المتساهلة مع الاحتلال'، يقول عبد الرزاق خثيري، مسؤول العلاقات الخارجية بالكشافة الإسلامية الجزائرية، في حديث إلى الميادين نت.

تمزج المبادرة بين الجانب العاطفي الغالب على شخصية الطفل، وبين الجانب العلمي بطريقة ترفيهية تناسب أعمار المترشحين لنيل الشارة المقدسية.

125 ألف منخرط أغلبهم أطفال من سن السادسة إلى 17 عاماً، بحسب تصريح القائد الكشفي كريم بلحفصي للميادين نت، لهم حق التنافس على نيل الشارة المقدسية، من خلال إعداد بحوث تتقصى الحقائق التاريخية والجغرافية عن أرض فلسطين وشعبها، وعن الاحتلال الصهيوني.

ويوضح بلحفصي أنه 'هكذا تساهم المبادرة في توسيع ثقافة من ليس لديهم اطلاع واسع على هذه القضية من الأطفال، كما تحفّزهم على البحث، والتزام المنهجية العلمية في أثناء النقاش والدفاع عن الحق العربي'.

يسلِّم الأطفال بحوثهم قبل شهر تشرين الثاني/نوفمبر، لتُحال على لجنة التحكيم، من أجل الدراسة والنقاش على مدى شهرين كاملين، ثم التقييم وتحديد البحوث الفائزة، التي سيكرّم أصحابها بحمل الشارة المقدسية بداية من كانون الثاني/يناير 2023.

'عشرون كشّافاً سينالون هذا الشرف' بحسب القائد خثيري، إذ 'سيتمّ تكريم عشرة ذكور وعشر إناث الأوائل بحمل الشارة المقدسية، بالإضافة إلى امتيازات أخرى وجوائز مالية رمزية'.

في مخيم صيفي عنوانه 'من أجل فلسطين'، تستعدّ ملاك، زينب، مريم، خلود، رجاء، سارة، فردوس، منال، مروة ورفيدة، للمشاركة في مسابقة الشارة المقدسية.

تستفيد فتيات 'فوج مرشدات الكشافة فاطمة نسومر' التابع لمحافظة بومرداس (40 كلم شرق العاصمة الجزائر)، من فعاليات المخيّم الصيفي، لإعداد بحوثهن، خاصة وأن المشرفات على الفوج يحملن 'شهادة المعارف المقدسية'، وهي إجازة تتوّج عامين من الدراسة والتخصص في القضية الفلسطينية، على يد أكاديميين وباحثين في التاريخ، السياسة، الشريعة، وعلم الاجتماع.

تنظم المشرفات على الفوج معرضاً فنياً خاصاً يتماشى مع موضوع المخيم 'من أجل فلسطين'، يتضمن رسومات وأشغالاً يدوية، وحلقات إنشاد وأمسيات شعرية، ووصلات مسرحية عن المقاومة وحقّ العودة، وعن معاناة الأطفال والعائلات في الضفة الغربية المحتلة، وفي غزّة المحاصرة.

تقول رفيدة شاوشي، نائب قائدة 'فوج المرشدات فاطمة نسومر'، في حديث لـلميادين نت، إنّ 'الهدف من هذا النشاط الترفيهي والتربوي في آن واحد، هو تكوين فرد فعّال في المجتمع والوطن، وطفل متعلّق بالقضايا العربية تماماً كتعلّقه بالقضايا الوطنية'.

ولكل فئة نظامها التعليمي الخاص، فبرنامج الزهرات مثلاً يعتمد على أسلوب الترفيه المحض، في تربية الصغار من 6 إلى 10 سنوات، ويركّز على الأناشيد والمسرحيات والرسم.

بينما يميل منهاج تدريب المرشدات (من 11 إلى 14 عاماً)، والمتقدمات (من 14 إلى 17 عاماً) والجوالات (من 18 إلى 20 عاماً) إلى الجدية أكثر.

لا تكتفي فتيات الكشافة في فوج 'فاطمة نسومر' بعرض أعمالهن الفنية على الجمهور فحسب، بل يقمن ببيع بعضها (مصنوعات يدوية من الخرز والأحجار شبه الكريمة).

بحسب قائدة وحدة الزهرات سارة آيت عمر، فإن 'المبالغ الرمزية' المحصّلة من البيع تودع في 'حصالة فلسطين'، و'مثل هذه الحصالة موجود لدى كل فوج كشفي على مستوى الوطن'.

ترى سارة في تصريحها لـلميادين نت أن 'هذه المبالغ على صغرها، تحمل قيمة رمزية كبيرة، فمن الناحية التربوية تدرب الطفل على التطوع ومساعدة الغير، وتقاسم الأشياء مع من هم في حاجة إليها'.

في ختام المعرض، 'تُسلّم الحصالة للمحافظة الولائية، لتحوّلها مع حصالات الأفواج الأخرى إلى القيادة العامة، وبعد اكتمال عملية الجمع من 58 محافظة، يتمّ تحويل المبلغ إلى رصيد الهلال الأحمر الفلسطيني'.

يؤكّد محمد بوعلاق، رئيس الاتحاد الكشفي المغاربي سابقاً، في تصريح للميادين نت أنّ 'هذه النشاطات والبرامج تعمل على زرع حب الانتماء إلى الأمة العربية في نفس كل طفل منتسب للكشافة، وتدفعه للعمل مستقبلاً من أجل الوحدة، والمساهمة في كسر القيود والحواجز التي تبنى يومياً في وجه الشباب العربي، من حدود ومشكلات وخلافات لتفريق الشعوب'.

وهذا 'ما يجعل الحركة الكشفية نموذجاً يحتذى به في المؤسسات الوحدوية الوطنية والعربية'.

'تستمد الكشافة الإسلامية الجزائرية ريادتها التربوية من رصيدها التاريخي' حسب رأي القائد محمد بوعلاق.

فالكشفي ليس ذلك الشخص المشهور بلباسه الشبيه بالبدلة العسكرية، والمعروف في الأعياد الوطنية بأداء وصلات الإنشاد والعروض المسرحية فقط، بل هو قائد كبير وإن كان صغير السن، يخوض معارك الحياة الصاخبة بإيمان ووعي وهدف واضح، توحيد كلمة الأمة وجمع شتاتها، وفق بوعلاق.

ويوضح أن 'مؤسسها الشهيد محمد بوراس، جعلها خلفية لإعداد جيل استطاع قيادة ثورة التحرير الوطنية، بدءً من تظاهرات الثامن من أيار/مايو 1945، التي كان أول شهدائها الكشاف بوزيد سعال، وصولاً إلى اجتماع مجموعة 22 في بيت الكشّاف إلياس دريش، بينهم 18 عضواً من خريجي الكشافة، واجتماع مجموعة الستة المفجّرين لثورة تشرين الثاني/نوفمبر في بيت الكشاف مراد بوقشورة'.

وكان عهد جميع هؤلاء ومن تبعهم في حمل شارة الكشافة: 'أعد بشرفي أن أبذل كل جهدي في طاعة الله ورسوله، وخدمة وطني، وأساعد الناس في كل الأحوال والظروف، وأن أعمل بقانون الكشافة'.

عهد جسّدته دنيا بوحلاسة واقعاً، القائدة الكشفية التي لم تتجاوز 19 ربيعاً، كانت في شهر آب/أغسطس ترافق أشبال الكشافة وزهراتها في جولات ترفيهية تربوية إلى غابات 'الطّارف' شرق الجزائر، حين حاصرتها النيران برفقة 68 طفلاً.

لحظتها، لم تنسَ دنيا العهد ببذل كل جهدها لمساعدة الناس في كلّ الأحوال والظروف، وقدمت درساً في التّضحية وهي تحمل الأطفال على كتفيها، وتنقذهم جميعاً من ألسنة النيران، حتى وإن أصابتها بحروق من الدرجة الثالثة، أدت إلى وفاتها في ما بعد.