تحليل: الحرب الأوكرانية "حقنة في وريد الجزائر"

يبدو أن محاولات أوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي منح 'الجزائر حقنة في الوريد'، وفقا لتحليل من رويترز. 

وساهم ارتفاع الطلب على الغاز الجزائري وزيادة الأسعار عقب الاجتياح الروسي لأوكرانيا في إنعاش الدعم الحكومي للخدمات الاجتماعي واتخاذ مواقف صارمة في الساحة السياسية، في تغيير ملحوظ على مدى سنوات شهدت انخفاضا في الثروة والتعامل مع احتجاجات منددة بالسلطة. 

وأعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، زيادة في أجور العاملين في القطاع العام ومعاشات التقاعد والبطالة، لتعود إلى نموذج لطالما اعتادت عليه البلاد. 

كما اتخذت الجزائر موقفا جادا إزاء الدول الأوروبية التي أصبحت معتمدة بشكل أكبر على الغاز في دول شمال أفريقيا، مثل إسبانيا، وبذلت جهودا فعلية مع نظرائها، مثل المغرب، لتحظى بالدعم في القضايا المحلية.

وقال مستشار يعمل لدى الحكومة الجزائرية لرويترز إن 'الحكومة لم تعد تحت الضغوط الاجتماعية والسياسية كما كان عليه الحال في عامي 2019 و2020'. 

وأضاف أن 'الحراك' الذي كان يسيّر المظاهرات 'انتهى، بعد التحكم بكوفيد-19 وارتفاع العوائد'. 

وذكر التحليل أن 'التناقض عميق' لدى مقارنته بالسنوات السابقة، والتي ساهمت بعزل الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وغيره من الشخصيات البارزة. 

وتسببت الانخفاض الحاد في عوائد قطاعات الطاقة ومخزون العملة الاحتياطية بعد تراجع أسعار النفط في عام 2014، بتقليل الإنفاق العام ما هدد بإشعال فتيل الاحتجاجات. 

كما أن قطاع النفط كان بتدهور متزايد مع تناقص الاستثمار في حقول الغاز والنفط وتراجع حجم الصادرات وخروج المواهب من المؤسسة النفطية التابعة للحكومة 'سوناطراك'، والتي شهدت تغييرا في إدارتها مرة كل 20 شهرا. 

لكن ارتفاع أسعار النفط حول العالم عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، ساهم في استقرار الأوضاع، ليدعم خزينة الدولة ويرفع الثقة، وفقا لرويترز. 

لكن محللين أكدوا لرويترز أنه سيتوجب على الحكومة الجزائرية إجراء تعديلات 'قد تكون صعبة' لعزل اقتصادها من أي انخفاضات قد تشهدها أسواق الطاقة مستقبلا. 

وتعهد تبون بذلك بالفعل، وبدأ بالتركيز على إنعاش التجارة مع بعض الدول الأفريقية، لكن الجهود الحكومية تجاه فتح ما يعتبر واحدا من أكثر الاقتصادات المغلقة حول العالم حققت تقدما ضئيلا، وفقا للتحليل. 

وقال وزير سابق في الحكومة الجزائرية لرويترز: 'أجل، العوائد ارتفعت بالفعل، لكن الاقتصاد بحاجة لتعديلات ليتمكن من الأداء'. 

مساحة أكبر للنمو 

ويشير التحليل إلى أن أزمة الطاقة الأوروبية لم ترفع الأسعار فحسب، بل ساهمت أيضا في البحث عن مصادر للغاز لن تتأثر جراء الحرب الأوكرانية، ما يفسح المجال أمام الجزائر للنمو بشكل أكبر. 

ويشكل الغاز الجزائري أكثر من ربع الاستهلاك في كل من إسبانيا وإيطاليا، كما تعتبر 'سوناطراك' ثالث أكبر مورّد لأوروبا بعد روسيا والنرويج. 

 وقالت الشركة إن عوائد الغاز والنفط، هذا العام، ستصل إلى 50 مليار دولار، مقارنة بـ 34 مليارا العام الماضي، و20 مليارا في عام 2020، بينما تتوقع الإحصاءات الرسمية تسجيل صادرات قياسية في القطاعات غير النفطية قد تبلغ 7 مليارات دولار. 

وساهم تشجيع إشراك جهات أجنبية في قطاع الطاقة الجزائري في دفع عجلة الاستثمار وتطوير مشاريع جديدة. 

وفي يونيو، أعلنت الجزائر عن اكتشاف جديد في أكبر حقل للغاز، 'حاسي الرمل'، ليضاف ما بين 100 مليار إلى 340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف إلى مخزون البلاد، مع توقعات برفع حجم الإنتاج بحوالي 10 ملايين متر مكعب يوميا بدءا من نوفمبر. 

وذكر التحليل أن صفقة عقدت مؤخرا مع إيطاليا قد تشكل 'تذكيرا للدول الأوروبية بمنافع الصداقة مع الجزائر'.

وهذا العام، دعمت إسبانيا، التي كانت تعتمد على الغاز الجزائري، المغرب في قضية الصحراء الغربية. 

وكنتيحة لذلك، قررت الجزائر، التي تدعم الحركة الشعبية في المنطقة، سحب سفيرها من إسبانيا وقطع العلاقات التجارية، إلا أنها أكدت التزامها بشروط عقود الغاز، لكن لا يبدو أنها 'ستكون كريمة' مع اقتراب مفاوضات تحديد الأسعار قريبا. 

وقال وزير طاقة جزائري متقاعد، لم تذكر رويترز اسمه: 'لا شك بأن ورقة الغاز عادت بفائدة على الجزائر، يتم التودد إليها، إذ لا يمضي يوم دون تواصل من الدول الأوروبية مع السلطان لبحث احتمال البيع'. 

العوائد

ومع ذلك، على الرغم من النفوذ الدبلوماسي الإضافي الذي اكتسبته من ارتفاع الطلب على الطاقة، فمن المرجح أن يستمر تركيز الجزائر على تعظيم الإيرادات من زيادة الأسعار لتهدئة السكان واضطرابهم المتزايد، وفقا لرويترز.  

وقالت منى بلقاسم، خريجة تبلغ من العمر 24 عاما وهي من بين حوالي مليون جزائري يتلقون إعانة بطالة بعد أن أمضوا ثلاث سنوات في البحث عن عمل: 'أنا سعيدة للحصول على 13 ألف دينار شهريا'.

وفي خطاب هذا الشهر. قال تبون: 'طالما كانت هناك عوائد إضافية هذا العام، ألتزم برفع الأجور وإعانات البطالة مضيفا أنه يسعى إلى 'استرجاع وصون كرامة الجزائريين'. 

ومن المتوقع أن تبدأ الدولة بمنح الزيادات، العام المقبل.

وذكرت رويترز أنه ليس من الواضح بعد إن كان النموذج الاقتصادي الذي يعتمد بكثافة على الدولة والذي اعتمدت عليه الجزائر لعقود من الزمن سيعيق الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز العمالة والثروة من خلال القطاع الخاص.

وأشار التحليل إلى أن يجدر على السلطات على المدى الطويل أن تعلم أن الإحباطات الاقتصادية يمكنها أن تثير الاضطرابات العامة على الرغم من استخدام أسلوب أمني صار للتعامل مع الاحتجاجات. 

وتعرض قادة حركة 'الحراك' لاعتقالات كثيرة منذ اندلاع المظاهرات خلال الوباء، دون تحقيق أهدافهم النهائية المتمثلة في تطهير النخبة الحاكمة وترك الجيش للسياسة.

لكن سمير بلعربي، أحد الشخصيات البارزة في 'الحراك'، اعتقل مرتين وقضى عقوبة في السجن بتهمة 'التعدي على وحدة الأراضي' و'نشر منشورات تضر بالمصالح الوطنية'، قال لرويترز إن الحركة ستستمر.

وأضاف 'علينا الآن إيجاد طرق جديدة للنضال السلمي من أجل العدالة الحرة والصحافة الحرة والحكومة الخاضعة للمساءلة والشفافية'.